أخر الاخبار

الزرقاء بنت عدي الكوفية وجروة بنت غالب التميمية والصدوف بنت حليس العذرية (نساء صالحات)

 الزرقاء بنت عدي الكوفية 

   من ربات الفصاحة والبيان، والعقل والرأي ... حضرت يوم صفين مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولما تم الأمر لمعاوية دعاها لتأتيه، فلما قدمت عليه قال لها: هل تعلمين لم بعثت إليك؟

   قالت: سبحان الله، أنى لي بعلم ما لم أعلم، وهل يعلم ما في القلوب إلا الله ... قال : ألست راكبة الجمل الأحمر يوم صفين، وأنت بين الصفين توقدين الحرب وتحضين عليها؟ قالت: بلى. قال : فما حملك على هذا؟

   قالت: يا أمير المؤمنين، مات الرأس، وبتر الذنب ولم يعد ما ذهب ، والدهر ذو غير، ومن تفكر أبصر والأمر يحدث بعده الأمر. قال : صدقت، فهل تحفظين كلامك؟ قالت: والله ما أحفظه. قال: لقد سمعتك تقولين : أيها الناس، إنكم قد أصبحتم في فتنة غشتكم جلابيب الظلم، وجارت بكم عن قصد المحجة، فيا لها فتنة عمياء، صماء بكماء، لا تسمع لنا عقها، ولا تنساق لقائدها: إن المصباح لا يضيء في الشمس، ولا تنير الكواكب مع القمر، ولا يقطع الحديد إلا الحديد، ألا من استرشدنا أرشدناه، ومن سألنا أخبرناه ...

   أيها الناس .. إن الحق كان يطلب ضالته فأصابها، فصبرا يا معشر المهاجرين والأنصار على الغصص، فكأن قد اندمل شعب الشتات، والتأمت كلمة العدل، ودمغ الحق باطله، فلا يجهلن أحد فيقول: كيف العدل وأنى، ليقضي الله أمرا كان مفعولا، ألا وإن خضاب النساء الحناء، وخضاب الرجال الدماء، ولهذا اليوم ما بعده، ثم قال لها: والله يا زرقاء لقد شاركت عليا في كل دم سفكه. قالت: أحسن الله بشارتك، وأدام سلامتك، فمثلك بشر بخير وسر جليسه .

   قال : أو يترك ذلك؟ قالت: نعم والله لقد سررت بالخبر فأنى لي بتصديق الفعل ... فقال معاوية : والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب إلي من حبكم له في حياته. أذكري حاجتك. قالت: يا أمير المؤمنين، آليت على نفسي ألا أسأل أميرا أعنت عليه أبدا ومثلك أعطى عن غير مسألة، وجاد عن غير طلبة. قال: صدقت، وأمر لها وللذين معها بجوائز وكسوة...).

 جروة بنت غالب التميمية

   من ذوات الفصاحة والبلاغة.. احتجم معاوية بمكة ، فلما أمسى أرق أرقا شديدا، فأرسل في طلبها، فلما دخلت عليه قال لها: أرعناك . قالت: إي والله ... لقد طرقت في ساعة لا يطرق فيها الطير في وكره، فأرعت قلبي، وريع صبياني، وأفزعت عشيرتي وتركت بعضهم يموج في بعض، خشية منك وشفقة علي.

   فقال : ليسكن روعك، ولتطب نفسك. فإن الأمر على خلاف ما ظننت .. إنما أرسلت إليك لتخبريني عن قومك، بني تميم... قالت: هم أكثر الناس عددا، وأوسعهم بلدا، وأبعدهم أمدا، هم الذهب الأحمر، والحسب الأفخر، والعدد الأكثر، قال: صدقت، فنزليهم لي. قالت: أما بنو سعد بن زید مناة ، ففي العدد الأكثرون، وفي الحسب الأطيبون، يصبرون إن غضبوا، ويدركون إن طلبوا، أصحاب سيوف وجف، ونزال ودلف إلا أن بأسهم فيهم، وسيفهم عليهم ... وأما حنظلة .. فالبيت الرفيع، والحسب البديع، والعز المنيع، والناقضون والمكرمون للجار، والطالبون للثأر، والمناقضون للأوتار.

   فقال معاوية : إن حنظلة شجرة تتفرع، فنزليهم لي ... قالت: أما البراجم فأصابع مجتمعة، وأكف ممتنعة. وأما بنو طهية، فقوم هوج، وقرن لجوج، وأما ربيعة، فصخرة صماء، وحية رقشاء، يعتزون بعزهم، ويفخرون بقومهم. وأما بنو يربوع، ففرسان الرماح، وأسود الصباح يعتنقون الأقران، ويقتلون الأبطال والفرسان، وأما بنو مالك، فجمع غير مفلول، وعز غير منحول ليوث هوارة وخيول كرارة . وأما بنو دارم، فكرم لا يدانى وعز لا يوازى وشرف لا يسامى. وقال معاوية: أنت أعلم الناس بتميم، فكيف علمك بقيس؟ قالت: كعلمي بنفسي.

   قال: فأخبريني عنهم ... قالت : أما غطفان، فأكثر سادة، وأمنع قادة وأما فزارة، فبيتها مشهور وحسبها المذكور ... وأما ذبيان: فخطباء شعراء، أعزة أقوياء .. وأما عبس فجمرة لا تطفأ، وعقبة لا تعلى، وحية لا ترقى) ... وأما هوزان: فحلم ظاهر، وعز قاهر .. وأما بنو سليم ففرسان الملاحم، وأسود ضراغم وأما ثمر، فشوكة مسمومة، وهامة ملمومة، وآية مفهومة، وأما هلال فاسم فخم، وعز ضخم ... وأما بنو كلاب : فعدد كثير، وبحر ذخير، وفخر أثير، وحلم كثير.

   قال فما تقولين في قرين؟... قالت: ذروة السنام وسادة الأنام، والحسب القمقام . قال: ما تقولين في علي بن أبي طالب؟ قالت: حاز والله الشرف الذي لا يوصف وغاية لا تعرف. فأمر لها معاوية لها بضيعة نفيسة غلتها عشرة آلاف درهم وردها إلى أهلها مكرمة). 

  الصدوف بنت حليس العذرية

   من ربات الفصاحة والبلاغة وكانت تؤيد الكلام وتسجع في المنطق .. وقد خطبها كثيرون فردتهم، وتقول: لا أتزوج إلا من يعلم ما أسأله عنه .... فلما انتهى إليها ځمران، بقي قائما لا يجلس وكان لا يأتيها خاطب إلا جلس قبل إذنها. فقالت: ما منعك من الجلوس؟ قال :

   حتى يؤذن لي، قالت: وهل عليك أمير؟ قال: رب المنزل أحق بفنائه، ورب الماء أحق بسقائه، وكل له ما في وعائه . فقالت: إجلس .. فجلس، قالت له : ما أردت؟ قال : حاجة ولم آتك لحاجة .. قالت: تسرها أم تعلنها؟ قال: تسر وتعلن، قالت: فما حاجتك؟ قال : قضاؤها هين وأمرها بين وأنت بها أخبر، قالت: فأخبرني بها. قال : قد عرضت وإن شئت بینت.

   قالت : من أنت؟ قال: أنا بشر ولدت صغيرا ونشأت كبيرا ورأيت كثيرا..، قالت: فما اسمك؟ قال : من شاء أحدث إسما وقال ظلما ولم يكن الاسم علیه حتما. قالت: فمن أبوك؟. قال : والدي الذي ولدني ووالده جدي فلم يعش بعدي. قالت: فما مالك؟ قال : بعضه ورثته وأكثره اكتسبته.

   قالت: فمن أنت؟ قال: من بشر کثیر عدده معروف ولده قليل صعده يفنيه أبده. قالت : ما ورثك أبوك؟ قال : حسن الهمم. قالت: فأين تنزل؟ قال: على بساط واسع في بلد شاسع قريبه بعيد وبعيده قريب. قالت: فمن قومك؟ قال : الذي أنتمي، إليهم وأجني عليهم وولدت لديهم، قالت: فهل لك امرأة؟

   قال : لو كانت لي لم أطلب غيرها ولم أضيع خيرها. قالت: كأنك ليست لك حاجة؟ قال: لو لم تكن لي حاجة لم أنخ ببابك، ولم أتعرض لجوابك وأتعلق بأسبابك ... قالت: وإنك لحمران بن الأقرع الجعدي . قال : إن ذلك ليقال ... فأنكحته نفسها).

ـــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: نساء صالحات. 

(عدد كلمات المقال: 955 / حجم الصورة: 44.2 كيلوبايت).

الزرقاء بنت عدي الكوفية وجروة بنت غالب التميمية والصدوف بنت حليس العذرية (نساء صالحات)
الزرقاء بنت عدي الكوفية وجروة بنت غالب التميمية والصدوف بنت حليس العذرية (نساء صالحات)


 

 

 

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -