أخر الاخبار

شعر حذيفة الجابري

شعر حذيفة الجابريّ

أكابدُ أشجاناً إذا بُحتُ أشبَهَت

لشدّةِ لأواها فصاحتيَ العيَّا
ولو أنها بالموتِ تقضي وإنَّما
لعمركَ فيها لا أموتُ ولا أحيا
وقال:

على قدرِ أهل الهمِّ تأتي القرائِحُ

قصائدُ قومٍ عند قومٍ فوادِحُ
فليسَ الذي بثَّ المواجيدَ شاعراً
سوى تُرجمانٍ للذي ناحَ نائِحُ
ولستُ بقبضِ الشعرِ أو بَسطهِ سوى
مُدافِعُ همٍّ مرةً ... ومُصافِحُ
لقد جُزتُ في الأشجانِ حتى تَشكَّلت
على سَحنةِ الأشجانِ مني مَلامِحُ
ولولا الرَّدى أَردى ابنَ هاشمَ لم أُرى
يَشُكُّ برُمحِ الضِّيم وجهيَ رامِحُ
ولا ذلَّنا ابن الزَّانياتِ بكربلا
ولا حَدَّثَت عنَّا بذاكَ المذابِحُ
ولا لطَمَ الوجهَ العفيفَ مخنَّثٌ
ووجهُ الإبا من شدِّةِ العارِ كالِحُ
فماذا وعمَّا لِمْ ؟ وقلبيَ نافثٌ
بكلِّ الذي لا تستطيعُ الجوارِحُ
لتُصبِحْ صُدورَ الناسِ بعدُ معاجِزٌ
فقد وُسِّدَ التُّربَ القُرومُ الجَحاجِحُ
فهاكَ قريضي للمَماتِ مَراثياً
فقد حَرُمت بعدَ القُريشِيْ المَمَادِحُ 
وقال أيضا:

أتُقتَ إلى البُكا والدّمعُ شحَّا

وصوتكَ من نداءِ الرّكبِ بُحّا
أمِ الرُّمدُ ابتلى عينيكَ حتَّى
شككتَ بأن يكونَ الصُّبح صُبحا
فلمَّا أن بَصُرتَ طَويت عمَّا
رأيتَ لهولِ ما قد رِيتَ كَشحا
ففي الحالينَ لستَ بذي فؤادٍ
جديرٍ أن يُريحَ الصّدرَ بَوحا
سوى أن تَستدِرَّ من المآسي
مزيداً يمنحُ الأشجانَ صَدحا
فلا مَيتاً أحالَكَ ذا فتُنعى
ولستَ مؤمِّلاً من بعدُ رَوْحا
أخِلّايَ احفظا عني وصاةً
اذا ما مِتُ مُغترباً فسُحّا
فسُحَّا الدمع تِسكاباً ثَقيلاً
على مَن في أَخيرِ النَّزعِ أضحى
على مَيْتٍ صَريعٍ في فراشٍ
تمنّى مِيتةً في الحربِ ذَبحا
ودُسّا في تُرابِ القَبرِ وجهاً
بَشوشاً ليِّنَ القَسَمات سَمحا
(...)
ومِيلا عجِّلا بالنّعشِ شَرقاً
وقولا للفراتِ ألا تنحّى
لندفِنهُ بأرضٍ مرّ فيها
هَبوبٌ من صَبا الأحبابِ نَفحا
بأرضٍ قد قَضَينا في ثراها
من العمرِ القصير هناكَ رَدحا
وقولا ماتَ حنظلةَ الأعادي
ومُوري جذوةَ الأحقادِ قَدحا
عليكَ سلامُ ربي كلّ حينٍ
أيا ابنَ الباذلينَ المالَ سَحّا 
وقال أيضا:

سلِّم على القومِ الذين رجالهم

يمشونَ للحتفِ المَهيبِ حُتوفا
النّاسجينَ من البطولةِ دُرقةً
والرَّاعفينَ من الإباءِ أُنوفا
العاتبينَ قذائفاً وقنابلاً
والشَّاجبينَ أسنَّةً وسيوفا
والمُنتقينَ لدى الهَزاهزِ ميتةً
قَعصاً بأطرافِ الرِّماحِ وقوفا
وقال أيضا:

عناق الموت منظره مهِيبُ

ورأيُ السَّيفِ أعوجُهُ مُصيبُ
ورُمْحكَ لا لسانُكَ يا ابن ديني
فصيحُ القولِ مِنطيقٌ خطيبُ
وإنِّي شاعِرٌ أنأى بشعري
بأنْ تغريهِ في الغزلِ اللعوبُ
وإني شاعرٌ واللَّائي قبلي
ولكني اللَّظى وهمُ لهيبُ
إذا طلبوا القريضَ يجيءُ كرهاً
وطوعاً إن أشرتُ له يجيبُ
فذاكِرني الحماسَةَ والمراثي
فإن الشِّعرَ أرذلُهُ النَّسيبُ
ولا أرضى به بالسِّيف عِدلاً
فقولُ الشعر أخصَبُه جديبُ
وذكرني لدى الباغوزِ قتلى
على أجداثِهِمْ رُفِع الصِّليبُ
أتَتْ برَّاً وجوَّاً في جيوشٍ
تضيقُ بهم شمالاً والجنوبُ
فخاضتنا على وجَلٍ طَحونٌ
وخُضناها إباءً لا نؤوبُ
وصاحَ أخو الفوارسِ ذاتَ بأسٍ
أجيبوا داعيَ المولى أجيبوا
فكسَّرنا حديدَ السَّيفِ طَعناً
وذوَّبنا بهِ مالا يذوبُ
ضربناهم بكلِّ فتى عَبوسٍ
تزولُ على مِجنَّتهِ الكُروبُ
وجئناهُمْ نَجرُّ الموت جرَّاً
له مِن بطشِنا فيهم نَصيبُ
فما لبِثتْ أنِ اشتدَّت رحاها
ليدبرَ عن أحبَّتِهِ الحبيبُ
وواحِدُنا على عَرجاء يسطو
يخفُّ بهِ مقارنةً عسيبُ
إلى أنْ لم يعد في الحربِ بدُّ
لأمرٍ قد طوتهُ لنا الغيوبُ
فإن ضاقَتْ على الأشرافِ أرضٌ
فباطِنها بمن ضاقت رحيبُ
فما للقتلِ أرثيهم ولكن
لثأرٍ تقشعرُّ له القلوبُ
" نأى الحي الذين يطير منهم
على ما كان من فزعٍ ركوبُ "
نأوا يا صاحبي وبقيتُ فرداً
وما عيشٌ لمنفردٍ يطيبُ
نأوا يا صاحبي وعَفَتْ رُسومٌ
يُخاتِلني بمَرآها النَّحيبُ
نأوا في ليلةٍ أدركتُ فيها
بأنَّ العيشَ إثرهم معيبُ
وأن الليلَ من صَحبِ الأعادي
وليسَ غدٌ لناظرهِ قريبُ
وكانت ليلةً ليلاءَ باتَتْ
جسومهُمُ يعانِقها الكثيبُ
كأنَّ الزِّبرقانَ بها عليلٌ
أضرَّ بحُسنِ طلعتِهِ الشُّحوبُ
كأن سمائها وجهٌ لثَكلى
ونجمُ الفرقدينِ به ندوبُ
كأن الطَّير عاكفةً عليهِم
نوائِحُ عكفٌ ولها نحيبُ
كأن النَّهرَ إذ أجرى دِماهُمْ
سماءٌ خاضَ زُرقتَهَا المَغيبُ
كأن الصَّخر لو أرْعيتَ سمعاً
مرمَّلةٌ يظلُّ لها وجيبُ
عليهم نكَّس الإحسانُ رأساً
وظهرُ المكرماتِ أسىً حديبُ
وأفدحُ من مصابِ القوم سبيٌ
بأرضِ الهول يزجُرُهُ الغريبُ
أُعيذكَ يا أبيَّ الضَّيمِ ألَّا
يُشيبُكَ في النَّوائِبِ ما يُشيبُ
حذيفة الجابري
ــــــــــــــــــــــــــــ
(عدد كلمات الأشعار: 612 ). 
 
شعر حذيفة الجابري
شعر حذيفة الجابري


 
 
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -