أخر الاخبار

ترتران بالمرصاد (حكاية من بلاد الجزائر)

1- متن الحكاية:

   كان الموضع صحراء شاسعة قفراء، كلها نبات شائكة غريبة، تمد ظلها المتدرج في كل ناحية، في ذلك الليل الذي تضيئه النجوم. وعلى اليمين كانت كتلة ضخمة ثقيلة غامضة، لجبل لعله الأطلس، وعلى اليسار البحر الذي لا يظهر، والمتحرك في غير ما ضجة. يا له من مكمن يغري الوحوش.

   جعل ترتران بندقية أمامه، وأخرى في يديه، ووضع ركبته على الأرض، وصار ينتظر. انتظر ساعة، ثم ساعتين. لا شيء، وحينئذ تذكر ما قرأه في كتبه، من أن صيادي الأسد العظام، لا يذهبون قط إلى القنص دون أن يحملوا معهم جديا صغيرا، يربطونه على بعد خطوات منهم، ثم يرغمونه على المأمأة بجذب رجله بحبل.

    ولما لم يكن مع صاحبنا جدي من هذا النوع، فقد خطر له أن يحاول تقليده، وحينئذ جعل يُمَأْمِئُ بصوت مرتعش .. وقد بدأ ذلك بصوت منخفض، لأنه كان في قرارة نفسه خائفا بعض الشيء من أن يسمع الأسد ولما لم ير أثرا لقادم، رفع صوته أشد مما كان .. لا شيء بعدُ، وانتابه الضجرُ، فصار يكرر " مأ مأ مأ " بشدة جعلت من هذا الجدي ثورا.

   وفجأة -على بضع خطوات منه- اندفع شيء أسود ضخم، فسكت لقد أخذ ذلك الشيء يخفض رأسه ويتشمم الأرض، ويقفز، ويتدرج، وينطلق ثم يعود، ويقف لا يتحرك .. وسدد ترتران، ثم أطلق النار .. وعلى أثر ضربته، أجابت صيحة مدوية مرعبة، فقال: لقد أصيب، وجمع قوة ساقيه ووقف متأهبا لاقتبال الوحش.

   ولكن الوحش خطر غير ذلك، فقد انطلق يركض فارا هادرا، ومع ذلك فإن صاحبنا لم يتحرك، فقد جعل ينتظر الأنثى، تماما كما في الكتب، ولكن الأنثى .. لم تأت. وبعد ساعتين أو ثلاث من الانتظار، أدركه الملل، فقد كانت الأرض رطبة، الليل باردا، ونسيم البحر يؤلم كالوخز. فقال ترتران في نفسه: ماذا لو أغفيت قليلا في انتظار الصباح.

   وسرعان ما أيقظت ترتران ضجة، فقام قافزا وهو يقول: ما هذا ؟ كان ذلك من أبواق صيادي أفريقيا ساعة إيقاظ الجنود في ثكنات مصطفى [هي حي من أحياء الجزائر] اختلط الأمر حينئذ على قاتل الأسود، وصار يدعك عينيه، لقد كان يظن نفسه في جوف الصحراء، فهل تعلم أين كان ؟ في منبع خرشوف وقنبيط وبنجر، لقد كانت صحراؤه ذات خضر، وصار يقول: يالَهؤلاء الناس من حمقى، أو يزرعون خرشوفهم في جوار الأسد؟ ما أظنني كنت أحلم، إن الأسود تصل إلى هذا المكان، وها هو الدليل.

   وكان الدليل بقعا من الدم خلف الوحش وهو يفر، فأخذ بطلنا يسير منحنيا على هذا الأثر الدامي، وعيناه متحفزتان، والمسدس في قبضته، وهو ينتقل من خرشوف إلى خرشوف، حتى وصل إلى حقل شوفان. وهناك على الحشائش المدروسة، كانت بحيرة من دم، وفي وسط البحيرة، رقد على جنبه، وفي رأسه جرح كبير .. هل تعلم ماذا ؟ " وماذا إن لم يكن أسدا " كلا .. بل كان حمارا، من تلك الحمر الصغيرة، المعروفة في الجزائر، والتي يتهكمون على الناس بنعتهم بها.

1- الكاتب:

   ألفونس ضوضي كاتب فرنسي.

2- الشرح:

   ترتران: اسم علم / بنجر: نبات يصنع منه السكر / الشوفان: نبات يشبه الشعير، تأكله البهائم (الخرطان).

ــــــــــــــــــــ

(عدد كلمات المقال: 471 / حجم الصورة: 36.6 كيلوبايت ).

ترتران بالمرصاد (حكاية من بلاد الجزائر)
ترتران بالمرصاد (حكاية من بلاد الجزائر)



 

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -