أخر الاخبار

من هي أم الخير بنت الحريش ؟

أم الخير بنت الحريش 

   من ربات الفصاحة والبلاغة، قدمت على معاوية بن أبي سفيان بعد أن كتب إلى واليه بالكوفة أن أوفد علي أم الخير بن الحريش واعلم أني مجازيك بقولها فيك بالخير خيرا وبالشر شرا ...، فلما ورد إليه الكاتب، ركب إليها، وأقرأها إياه، فقالت: أما أنا فغير زائغة عن الطاعة ولا معتلة بكذب، ولقد كنت أحب لقاء أمير المؤمنين لأمور تختلج في صدري، مجرى النفس يغلي بها غلى المرجل، يوقد تحته بجزل السمر في الصيف.

   فلما حملها وأراد مفارقتها قال: يا أم الخير إن أمير المؤمنين قد ضمن أن يجازيني فيك بالخير خيرا، وبالشر شرا .. فما لي عندك؟ قالت: يا هذا لا يطمعك والله برك بي في تزويقي الباطل، ولا يؤنسك بي معرفتي بك أن أقول فيك غير الحق .. فسارت خير مسير.

   وعندما دخلت على معاوية قالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين . وكان عنده جلساؤه - فقال : وعليك السلام، وبالرغم منك والله دعوتني أمير المؤمنين، قالت: يا أمير المؤمنين مه، فإن بديهة السلطان مدحضة لما يجب علمه، قال: صدقت، وكيف مسيرك؟ قالت: بخير لم أزل في عافية وسلامة حتى أدتني إليك الركاب، وأنا في عيش وملك رفيق فتيق.

   ثم قال معاوية : بحسن نيتي والله ظفرت بكم وأعنت عليكم قالت: مه يا أمير المؤمنين، أعيذك بالله من خطل القول وما تردي عاقبته. قال: ليس لهذا أردناك .. قالت له: فأنا أجري في ميدانك إذا أجريت شيئا أجريته .. ثم قالت: اسأل عما بدا لك ... قال: أخبريني كيف كان كلامك يوم قتل عمار بن ياسر، قالت: لم أكن رويته قبل ولا درسته بعد، وإنها كانت كلمات نفثهن لساني حين الصدمة .. فالتفت إلى أصحابه فقال : أيكم يحفظ كلامها ؟ فقال أحدهم: أنا أحفظه، قال: هاته: قال: قالت: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) إن الله عز وجل قد أوضح الحق وأبان الباطل، ونور السبل ورفع العلم، فلم يدعكم في عمياء مشتبهة، ولا عشواء مدلهمة، فإلى أين تريدون، أفرارا من أمير المؤمنين؟ ومن الزحف، أم رغبة عن الإسلام؟ أم ارتداد عن الحق؟ أما سمعتم قول الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)، ثم رفعت رأسها إلى السماء وقالت: اللهم إنه قد عيل الصبر، وضعف اليقين، وانتشرت الرغبة. وبيدك يا رب أزمة القلوب فاجمع اللهم الكلمة على التقوى، وألف القلوب على الهدی واردد الحق إلى أهله.

   ثم قالت: إنه والله من ضل عن الحق، وقع في الباطل ومن لم يسكن الجنة سكن النار، أيها الناس: إن الأكياس استقصروا عمر الدنيا فرفضوها، واستطالوا مدة الآخرة فسعوا لها غية، وابتاعوا بدار لا يدوم نعيمها، ولا تتصرم همومها ...

   أيها الناس .. إنه لولا أن يبطل الحق، وتعطل الحدود، ويظهر الظالمون وتقوى كلمة الشيطان، لما اخترنا ورود المنايا على خفض العيش وطيبه ...

   فقال معاوية : والله ما أردت بهذا الكلام إلا قتلي، ولو قتلتك لما حرجت في ذلك ... قالت: إنه والله ليسرني أن يجري الله قتلي على يدي من يسعدني الله بشقائه.

   ثم طلبت من معاوية أن يسعها بحلمه ويعفيها من كثرة السؤال، فقال : نعم .. ونعمة عين، قد أعفيتك .. ثم أمر لها بصلة وجائزة وردها مكرمة .. 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: نساء صالحات. 

(عدد كلمات المقال: 499 / حجم الصورة: 31.5 كيلوبايت).

من هي أم الخير بنت الحريش ؟
من هي أم الخير بنت الحريش ؟



 

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -