أخر الاخبار

قصة نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام

نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام

   كان لنبي الله يعقوب اثنا عشر ولداً ذكراً من أربع نساء، وكان من بين هؤلاء الأولاد يوسف وأخوه بنيامين من امرأته راحيل بنت خاله.

   كان نبي الله يوسف جميل المنظر نبيل الخلق تظهر عليه أمارات النبوة، وقد رأى في منامه وهو صغير كأن أحد عشر كوكباً والشمس والقمر يسجدون له، فلما استيقظ من نومه حكى لأبيه هذه الرؤيا.

   فَهِمَ يعقوبُ من الرؤيا أن سيكون لابنه يوسف شأن عظيم، وأنه سوف يكون سيداً، وخاف أن يحسده إخوته، ويفكروا له في أمر يؤذيه، فقال: يابني لا تحكي هذه الرؤيا لإخوتك، فإني أخاف أن يفكروا في شيء يؤذيك، ولا تتعجب يا يوسف، فإن الشـ.ـيطان عدو للإنسان يوسوس له بالشر حتى يوقعه فيه.

   يا يوسف، إن الله عز وجل سوف يختارك لنفسه، وسيعلمك تفسير الرؤيا، وسيتم نعمته عليك بالنبوة كما أتمها على أبويك إبراهيم وإسحاق.

   قال إخوة يوسف: إن يوسف وأخاه أحب إلى أبينا منا، ونحن عصبة قوية نعمل له كل ما يحتاج إليه، إن أبانا بمحبة يوسف وأخيه أكثر منا لفي ظلال مبين.

   دخل الحسد في صدور إخوة يوسف، وفكروا في التخلص منه بقتله أو بوضعه في أرض بعيدة فلا يستطيع أن يعود إلى أبيه، وزين لهم الشـ.ـيطان عملهم السيء بأنهم إذا فعلوا ذلك فسوف يكون حب أبيهم لهم وحدهم، وسوف يتوبون إلى الله، ويكونوا رجالاً صالحين. 

1 - التآمر على يوسف عليه السلام من قبل إخوته:

   فقال واحد من إخوة يوسف: لا تقـ.ـتلوا يوسف، وألقوه في قعر البئر، وسوف يلتقطه بعض المسافرين في الأرض للتجارة، وبذلك تستطيعون التخلص من يوسف.

   وطلب إخوة يوسف من أبيهم أن يرسل يوسف معهم يرعى ويلعب، وأنهم مخلصون له، وسوف يحفظونه من كل شرٍّ.

   فقال لهم نبي الله يعقوب : يا أبنائي، أنتم تعلمون أن فراق يوسف وبعده عني يحزنني، وأخاف أن تغفلوا عنه فيأكله الذئب .. 

2 - إلقاؤهم يوسف في البئر:

   فلما أقنعوا أباهم وذهبوا بيوسف شتموا يوسف وأهانوه، وألقوه في قعر الجب، وأوحى الله إليه: لا تخف فأنا معك، وسوف تظهر عليهم [أي تنتصر]، وسوف تخبرهم بما فعلوه.

   وعاد إخوة يوسف إلى أبيهم بعدما لطخوا قميصه بدم عنزة ذبحوها، ونسوا أن يمزقوا القميص، وقالوا: يا أبانا إنا ذهبنا نستبق في الرمي والجري، وتركنا أخانا يوسف يحرس حاجاتنا فأكله الذئب، ونحن نعلم أنك لن تصدقنا.

   فأمسك يعقوب القميص، وقال استهزاءً بهم :

   ما أحلمك يا ذئب، تأكل ابني ولا تشق قميصه، بل فعلمتم فعلاً يغضب الله، وسوف أصبر لحكم ربي.

3 - المسافرون الذين أخرجوا يوسف من البئر:

   وجاء إلى هذا المكان جماعة مسافرين وأرسلوا واردهم ليبحث لهم عن الماء، وعند ما ألقى دلوه في البئر أمسك به يوسف، فلما رآه ذلك الرجل قال: {قال يٰبشرى هذا غلٰم}.

   وباعوه بثمن قليل، وقال عزيز مصر وهو وزيرها الذي اشتراه لامرأته: أكرمني هذا الغلام، ولا تجعليه مثل العبيد، بل عامليه كواحدا منّا، رجاء أن ينفعنا في أعمالنا الخاصة، أو نتخذه ولداً لنا.

   ولما بلغ أشده، واستوى عقله، آتاه الله حكماً إلهاميًّا فيما يتعرض له من المشاكل، وكذلك يجزي الله المحسنين خصوصاً الأنبياء والمرسلين. 

4 - مراودة امرأة العزيز ليوسف عليه الصلاة والسلام:

   وطلبت امرأة العزيز من يوسف أن يواقعها، وأغلقت الأبواب بإحكام، وقالت له: نفذ ما أريده منك.

   فقال لها يوسف: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، إن زوجك قد أحسن مثواي، واستأمنني على نفسه وبيته، فكيف أخونه، إنه لا يفلح الظالمون الذين يظلمون أنفسهم بارتكاب المعاصي.

   وأسرع يوسف إلى الباب ليهرب منها، وأسرعت إلى الباب لتمنعه من الهروب، ووجدا زوجها عند الباب، فأسرعت بالكلام قبل يوسف، وقالت: ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا إلا أن يسجن، أو عذابٌ شديدٌ مؤلمٌ. وبذلك اتهمت يوسف، وبرأت نفسها، فلهذا قال يوسف: {هي رٰودتني عن نفسي}. 

5 - تبرئة يوسف عليه السلام من هذه التهمة الشنعاء:

   وشهد شاهد في هذه القضية، وقال: إن كان قميص يوسف قد تمزق من قُدَّامٍ فهيَ صادقة، لأنه حين أراد بها السوء حاولت أن تبعده عن نفسها فمزقت قميصه، وإن كان قميصه تمزق من الخلف فهي كاذبة، لأنها أرادته أن يفعل بها السوء فهرب منها، فأمسكت بقميصه من الخلف.

   فلما رأى زوجها قميص يوسف تمزق من الخلف قال: إنه من كيدكن أيها النساء، يا يوسف لا تخبر أحداً بهذا الخبر، وأنتِ استغفري الله، وتوبي إليه، إنك كنت خاطئة.

   وانتشر في المدينة ... خبر امرأة العزيز من يوسف، وقال عدد من نساء المدينة: { امرأت العزيز تراود فتٰها عن نفسه قد شغفها حباًّ}.

6 - قصة امرأة العزيز والنسوة اللاتي قطَّعن أيديهن:

   وحين علمت امرأة العزيز بما يقوله النساء فكرت في أمر تجعل به هؤلاء النساء في صفها، فأرسلت إليهن، وأعدت لهن مكاناً جلسن فيه، وأعطت كل واحدة منهن سكينًا تقطع بها الطعام، وبينما هن يأكلن الطعام، قالت امرأة العزيز: اخرج عليهن يا يوسف، فلما رأت النساء يوسف اندهشن من جماله، وغابت كل امرأة عن شعورها وجرحت يدها بالسكين، وقالت النساء: {وقلن حٰش لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم}.

   وعندئد قالت امرأة العزيز: {فذلكن الذي لمتنني فيه} ثم اعترفت بأنه رجل عفيف طاهر، فقالت: {ولقد رٰودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصٰغرين}. عندئذ قال نبي الله يوسف :{رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلَّا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجٰهلين}.

   ولكن الله - تعالى - استجاب ليوسف، وصرف عنه كيدهن، وعصمه. 

7 - سَجْنُ يوسفَ عليه السلام ظُلما:

   ورأى العزيز وامرأته أن يُسجنَ يوسف حتى يقل كلام الناس وينتهي، وليظهر للناس أنه هو المعتدي، فسجنوه ظلماً.

   ودخل مع يوسف السجن مملوكان للملك، كان أحدهما خازن طعامه، والآخر ساقية، ولما عرفوا أن يوسف يعبر الرؤيا، قال أحدهما: يا يوسف، إني رأيت في منامي أني أعصر عنباً ليكون خمراً. وقال المملوك الآخر: رأيت في منامي أني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه. وطلب كل واحد منهما من يوسف أن يفسر له رؤيته، فقال يوسف: يا صاحبايَ، أما الذي رأى أنه يعصر عنبا ليكون خمراً، فإنه سيسقي سيده خمرا، وأما الآخر وهو الذي رأى أنه يحمل خبزاً تأكل الطير منه، فسيصلب فتأكل الطير التي تأكل اللحوم من رأسه.

   وصُلِبَ أحدهما، ونجا الآخر، وقال يوسف للذي نجا منهما: اذكر ما أنا فيه من السجن بغير ذنب للملك. 

8 - رؤيا الملك:

   ورأى الملك في منامه سبع بقرات سمان يأكلهن سبع بقرات ضعاف هزيلات، ورأى سبع سنبلات يابسات وسبع سنبلات خضر، فاستيقظ من نومه وهو خائف، وسأل الناس عن تفسير الرؤيا، فلم يعرفوا تفسيرها.

   وقال الرجل الذي كان مع يوسف في السجن: لا تبحثوا عن رجل يفسر لكم هذه الرؤيا فقد وجدته، إنه يوسف وهو في السجن فابعثوني إليه، فلما وصل إلى يوسف طلب منه أن يفسر له رؤيا الملك، ليرجع إلى الناس حتى يعلموا مكانته، لعل ذلك يكون سبب خروجه من السجن.

   فقال يوسف: ازرعوا أرضكم بالقمح سبع سنين بدون انقطاع، وإذا حصدتم القمح فاتركوه في السنابل إلا قليلاً من القمح الذي تأكلونه. ثم تأتي بعد سبع أحرى جدباء ينقطع الخير فيها تأكل الكل إلا قليلا من القمح الذي تدخرونه للزرع.

   وعرف الملك تفسير يوسف، وعرف أن التفسير لا يكون إلا من رجل له ذكاء خارق وعقل راجح، فقال: أحضروه.

    وجاء رسول إلى يوسف يخبره بأن الملك يريده، فقال له يوسف: كيف أذهب إلى الملك، وأنا متهم بتهمة باطلة، ارجع أيها الرسول إلى الملك واطلب منه أن يحقق في هذه التهمة. 

9 - ظهور براءة يوسف عليه الصلاة والسلام:

   وحقق الملك في هذه التهمة، واعترفت امرأة العزيز ببراءة يوسف، وأنه امتنع منها، وأنه صادق فيما قال، وظهرت براءة يوسف، وقال الملك : ائتوني به، أجعله موضع ثقتي، وأشاوره في أموري.

   قال يوسف: اجعلني أيها الملك على خزائن الأرض الخاصة بك أنقذ البلاد من شر المجاعة الآتية. 

10 - يوسف عليه السلام يلتقي بإخوته:

   علم يعقوب وأبناؤه بما في مصر من الخير، وكانوا محتاجين إلى الطعام، فأرسل يعقوب أبناءه العشرة إلى مصر ليشتروا منها، فدخلوا على يوسف، فعرفهم ولم يعرفوه، فأعطى يوسف كل واحد حمل بعير، وطلبوا من يوسف أن يأخذوا لأبيهم ولأخيهم الحادي عشر الذي في خدمة أبيه.

   فأعطاهم يوسف حمل بعيرين، وطلب منهم أن يحضروا أخاهم معهم حتى يأخذ كما يأخذون، وقال لهم: إن لم تُحضروا أخاكم معكم فلن أعطيكم شيئاً. وأمر يوسف فتيانه الذين يقومون بالكيل للتجار أن يضعوا البضاعة التي جاؤوا ليشتروا بها في رحالهم، لأنهم إذا رجعوا إلى أهلهم ووجدوا بضاعتهم، فسيعودون مرة ثانية ليردوها، ولينالوا من إحسان العزيز وكرمه.

   وبعد أن وصل إخوة يوسف إلى أهلهم، قالوا لأبيهم: يا أبانا إن عزيز مصر لن يعطينا شيئا بعد هذه المرة إذا لم نحضر معنا أخانا بنيامين، فابعثه معنا حتى نأخذ من الطعام ما نحتاج إليه ونكون قد وفينا له بما أراده منَّا.

   قال يعقوب: كيف آمنكم على بنيامين، وقد ضمنتم لي من قبل أن تحفظوا يوسف، ولم تحفظوه، ثم قال لهم: لن أبعث معكم بنيامين حتى تعطوني عهداً بإشهاد الله أنكم سوف ترجعون إليّ ولدي بنيامين.

   فلما أعطوه العهد، قال لهم يعقوب: الله على ما نقول جميعاً وكيل. ولما دخلوا على يوسف جلس مع بنيامين بعيداً عنهم، وأخبره أنه أخوه يوسف، وقال له: لا تحزن يا بنيامين ولا تتألم بما كانوا يفعلونه معنا قديماً.

   ولما أعطاهم يوسف من الطعام مثل كل إنسان جعل في رحل بنيامين سقاية الملك، وحين ساروا في طريقهم إلى أهلهم نادى منادٍ:

    يا أصحاب البعير، قفوا في مكانكم إنكم سرقتم سقاية الملك التي يشرب بها ويكيل للناس، وتعجب إخوة يوسف مما يسمعون، فهم لم يسرقوا شيئاً، وقالوا لفتيان يوسف:

   تالله لقد علمتم بعد أن جربتمونا أننا لم نأت إلى مصر لنفسد، فكيف نسرق من جماعة أكْرَمُونا، ونحن لم نسرق في يوم من الأيام.

   فقال فتيان يوسف  وإن وجدنا سقاية الملك مع أحدكم، فما جزاؤه؟

   فقال إخوة يوسف: جزاؤه أن يكون عبداً عند من سرق منه لمدة عام.

   وكان هذا الحكم في شريعة يعقوب.

   وأراد يوسف أن يبعد الشبهة عنه فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء أخيه، ثم استخرج السقاية من وعاء أخيه بنيامين، وعندئذ قال إخوة يوسف ليوسف: إن يسرق بنيامين، فقد سرق أخوه يوسف من قبل.

   وكان يوسف قد سرق صنما فكسره.

   فقال لهم يوسف في نفسه: أنتم أشر، أنتم سرقتم أخاكم من أبيه، وألقيتموه وهو حيٌّ في الجب، وقلتم كذباً إن الذئب أكله.

   ورجع إخوة يوسف إلى أبيهم وأخبروه بما فعله بنيامين، وأن العزيز أخذه عبداً لمدة عام كما في شريعتنا.

   فقال لهم نبي الله يعقوب: ليس الأمر كما تقولون، فإن بنيامين كريم الخلق، ولا يمكن أن يسرق، ولكنكم فرطتم فيه كما فرطتم في أخيه يوسف.

   وعاد إخوة يوسف مرة أخرى إلى مصر ليأخذوا من خيرها ويطلبوا من العزيز أن يرد إليهم أخاهم بنيامين، ولما رأى يوسف ما هم فيه من قلة المال رق لهم وقال: {قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون} [يوسف :89].

   فعندئذ سألوا يوسف: {أإنك لأنت يوسف}.

   قال :{أنا يوسف وهذا أخي قد مَنَّ الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين}.

   فقالوا: { تالله لقد ءاثرك الله علينا وإن كنا لخٰطئين}.

   ثم قال لهم يوسف: قد عفوت عن جرمكم، وأسأل الله أن يغفر لكم، يا إخوتي اذهبوا بقميصي هذا وألقوه على وجه أبي يرجع إليه بصره، وأتوني بجميع أهلكم.

   ولما جاء البشير يبشر بأن يوسف التقى بأخيه بنيامين وكان يحمل قميص يوسف ألقاه على وجه يعقوب فرجع إليه بصره، وقال لأولاده: ألم أقل لكم إني أعلم من الله أشياء لا تعرفونها.

   وطلب إخوة يوسف من أبيهم أن يستغفر لهم الله، فقد تابوا.

   وذهب إخوة يوسف وأحضروا له أبويه، ولما دخلوا عليه وهو في هذه الحالة من العظمة، اجتمع بوالديه وَحْدَهُمَا، ثم قال لهما ولإخوته: {ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين}.

   وأجلس يوسف أبويه على سرير ملكه، وسجد له أبواه وإخوته سجود إجلال، فلما رآهم يوسف قال: {وقال يا أبتي هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً}.

ـــــــــــــــــــــــــ

المصدر: الشامل (بتصرف).

(عدد كلمات المقال: 1834 ).

قصة نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام
قصة نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام


تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -