أخر الاخبار

ماهي الجملة؟ وما الفرق بينها وبين الكلام؟

 مفهوم الجملة      

       لطالما كان اهتمام النحاة والباحثين القدماء والمحدثين، مركزا على الجملة كركيزة أساسية لبناء النص في كل اللغات، ما النص أو اللغة بشكل عام إلا جمل مترابطة فيما بينها، ولهذا وضع النحاة العرب القدماء الجملة نصب أعينهم فوضعوا لها حدودا سواء من حيث مفهومها اللغوي أو الاصطلاحي، فما تعريف  الجملة في اللغة وفي الاصطلاح؟ 

      لقد اختلفت وتنوعت التعاريف التي قدمت للجملة في معناها اللغوي، على مر العصور،  فقد عرفها "ابن منظور" في معجمه "لسان العرب" بقوله: "الجملة واحدة الجمل. والجملة: جماعة الشيء. وأجمل الشيء جمعه عن تفرقه؛ وأجمل له الحساب كذلك. والجملة: جماعة كل شيء بكماله من الحساب وغيره . يقال: أجملت له الحساب والكلام؛ قال تعالى: "لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة'' وقد أجملت الحساب إذا رددته إلى الجملة."  أما  الجوهري" في معجمه "الصحاح" فقد عرفها  بقوله:" الجملة واحدة الجمل وأجمل الحساب رده إلى الجملة. ''  أما الرازي فقد نهج نفس الطريق فقد عرفها هو الآخر في معجمه "مختار الصحاح  "الجملة واحدة الجمل، وأجمل الحساب رده إلى الجملة." 

      وقد ورد في معجم" اللغة العربية المعاصرة "وجملة [مفرد] جمع المعلومات وجمل: جماعة كل شيء" سعر /تاجر جملة أصحابها، جملة الأجرة المستحقة،" لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة " متجمعا دفعة واحدة لا منجما  متفرقا، بائع جملة: من يبيع البضائع متجمعة لا متفرقه عكسه بائع بالقطاعي بالجملة / على الجملة: إجمالا بصوره موجزة جملة الأمر / جملة القول: بخلاصة وإيجاز شديد جمله الصالحين جملة وتفصيلا بصورة شاملة ومفصلة من جملتها: من مجموعها، من بينها". 

      ومنه فمادة (جمل) فياضه بمعاني الجمع والكلية والوحدة وذكر الشيء دفعة واحدة والكمال، جملة الشيء كماله دون تفرقة  ولا نقصان وهذا ما عبرت عنه جل المعاجم العربية قد يمها وحديثها.

2.1.1الجملة في الاصطلاح 

      بعد الغوص والتنقيب في لب هذا المصطلح المترامي الأطراف نجد أنه يتداخل بشكل كبير مع مصطلح آخر وهو الكلام ، فتجد أن النحاة القدماء تارة يستعملون الكلام وتارة الجملة والظاهر أن الفرق بينهما ليس ضئيلا، حيث إن بعض النحاة ساووا بين الجملة والكلام، باعتبارهما مفهومين مترادفين، من قبيل "ابن جني" الذي عرف الكلام. بقوله: "كل لفظ مستقل بنفسه مفيد لمعناه وهو الذي يسميه النحويون الجمل نحو زيد أخوك، وقام محمد وضرب سعيد، وفي الدار أبوك، وصه ، ومه، ورويدا، وحاء وعاء في الأصوات...."  

      فبالنظر إلى هذا النص، فإن ابن جني ساوى بين الجملة والكلام، واعتبر أن الكلام يسميه النحويون جملة لكن بشرط أن يكون مستقل بنفسه، أي ألا يحتاج لمكمل يكمل معناه، فعندما نقول" قام محمد"، فهذه الجملة تامة المعنى، ولا حاجة لما سيأتي، لكن مثلا لو قلنا" إذا دخل زيد" فهنا المتلقي سينتظر حتما جواب الشرط، ولأن جملة الشرط غير تامة المعنى وبالتالي فلا يمكن تسميتها كلاما، لكن يمكن تسميتها جملة

      وقد ذهب في هذا الاتجاه "الزمخشري" حين عرف الكلام بأنه "هو المركب من كلمتين أسندت إحداهما إلى الأخرى ، (...) كقولك زيد أخوك، ضرب زيد، وانطلق بكر ويسمى الجملة" أي أنه  ركز على العلاقة  الإسنادية  بين المركبين فمثلا لو قلنا "محمد قائم" فإن العلاقة التي بين  "محمد" و "قائم" هي علاقة إسنادية، أي أننا نسند القيام إلى محمد فيكون المسند هو "قائم" والمسند إليه هو "محمد".

      لأن المسند هو ما تضمن حكما مسندا إلى اسم تقدم عليه أو تأخر عنه،  ويكون واجب الذكر إلا إذا دل عليه دليل; أما المسند إليه فهو ما أسند إليه حكم من الأحكام ويكون واجب الذكر إلا إذا دل عليه دليل، والعلاقة الإسنادية التي ذكرها الزمخشري لا تكون فقط في الجملة الإسمية بل في الفعلية أيضا مثل "قام محمد".

      وبالتالي فقد مزج هو أيضا بين الكلام والجملة ولم يفرق بينهما، وهذا ما ذهب إليه "سيبويه" أيضا، الذي لم يميز بين الجملة والكلام، فقد قال في كتابه "الكتاب": "ألا ترى أنك لو قلت: فيها عبد الله حسن السكوت وكان كلاما مستقيما واستغني في قولك: هذا عبد الله، وتقول: عبد الله فيها، فيصير كقولك: عبد الله أخوك إلا أن عبد الله يرتفع مقدما أو مؤخرا بالابتداء"  فقوله  "كلاما مستقيما" أطلقه على جملة "هذا عبد الله" "وهذا ما يثبت أنه لم يميز بين الكلام والجملة، لم يقتصر سيبويه على الكلام المستقيم، بل ذكر في مواضع أخرى الكلام المحال، فاعتمد على هذين المصطلحين، لتمييز بين الكلام السليم المعنى والكلام الذي يفسد أو يستحيل معناه، حيث قال في كتابه: "هذا باب الاستقامة من الكلام والإحالة فمنه مستقيم حسن، ومحال، ومستقيم كذب ومستقيم قبيح، وما هو محال كذب، وأما المستقيم الحسن فقولك: آتيك أمس وسآتيك غدا، وأما المحال فأن تنقض أول كلامك بآخره فتقول: آتيك غدا وسآتيك أمس، وأما المستقيم الكذب فقولك: حملت الجبل، وشربت ماء البحر، ونحوه، وأما المستقيم القبيح فأن تضع اللفظ في غير موضعه، نحو قولك 'قد زيد رأيت'، وكي زيد يأتيك، وأشباه هذا وأما المحال الكذب فأن تقول: سوف أشرب من تأليف التركيب، وبناء الأسلوب وصدق المعنى. " 

      إن المتمعن في نص سيبويه سيعي جيدا أن هذا الأخير يصنف الكلام العربي، إلى أقسام وأجزاء وهذا الكلام الذي ذكره هو في أصله جملة" "فأتيتك أمس وسآتيك غدا "جملتان مركبتان من مسند ومسند إليه لكن سيبويه يطلق عليهما لفظ" الكلام "وبهذا فالكلام والجملة عنده سواء.



تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -