أخر الاخبار

فلت من قبضة السجان / الكاتب : أشرف أعسيني

   في الأيام الأولى كنت أنتظر أن يسري مفعول الدواء في جسمي فأنهض وأنفض عن نفسي غبار الوهن و شؤم الحياة ومرارة الألم ، ويأس الزمن وشقاوة العيش ، مرت ساعات وصلت إلى مدينة الدارالبيضاء  مدينة المتناقضات ، النقاب والعري ، الزواج والزنـ ـا ، الحياء والميوعة ، فتاة تمشي على استحياء وأخرى ترقص مشيا على الأقدام ، رجال ملتحون و رجال همهم الوحيد أخبار الرياضة ومشاكل الاقتصاد والسياسة ، اتصلت بصديقي فجاء مسرعا بدراجته الهوائية تعانقنا دما يجمعنا ، وافترقنا عما يفرقنا ، سلام لا يجاوز التقاء الوجهين ، و لا يخترق روح القلب ولا يقارب وجدانا ولا عاطفة ، تبادلنا طرف الحديث وصلنا منزلا فخما تنقصه زوجة أو زوجـ ـات صالـ ـحات وترتاده البغـ ـايا والفاسقات ، تنبع منه رائحة الكـ ـفر والفسوق والعصيان ، لا تذكر نوع الأكل لكن لا يجوع الفؤاد بما يحكي والبطن لا يكفيه قوت الدنيا وما فيه ما زدتها إلا استزادت ، و القلب والنفس لا يفترقان يكفيهما رغيف من ابتسامة أو قبلة من أم حنون وأب غيور ، تلك الأيام تداويت منها و( تبرأت مني) ، مكلوم الهوى أغني لمن لحكاية أشرف البرغوت اليرغوت ، من براعيم أملاكو قرية النجباء قرية المعاناة ، جنت علي يا ليت فؤادي يصدق لسانه وقلمه يدق من أنت من أنا أنا كما يحلو لي أن أسمي نفسي ، لا أخشى دهرا لا يدير له وجهي ، أقول له حياك الخالق المصور ، (المحرك الأول )، وفالق الإصباح وجاعل الليل سكنا ، لا أغتابك وإنما هي النفس بومضاتها تشع وتبحث عن ملاذ أمين ..


   مرت الأيام خرجت عن السياق لكن السباق لم ينتهي لعبة تجري وراء الكواليس أصبحت أتحسس جسدي الموؤود وأنفي المسدود وعيني العمياء ولساني الأخرص وشفتاي الداكنتين الجافتين ، أروي لها ماء حيًّا عذبا ، ثمتَ شيء آخر تريده، تريد أن تتصل بخالقها وتستخرج كنز الصبر وتصقل موهبة يوسف ونضال داود وحكمة موسى ورحمة محمـ ـد عليهم صلوات الله وسلامه .


   استنشقت بعد الهواء و بدأ الحلم يراودني ويوما تلو الآخر يلوذ بي في خلوة وأنس ، تتلاشى وتتراجع الأعراض ويتجدد روح معاني الشجاعة والجرأة والمحبة وصفاء النفس وعظمة الفقراء ، وغنى القلب ، آه كم لك من أمنية يا أشرف ، تسير واثق الخطوات تمشي متبخترا في أرض الله الواسعة ، ترد على مآسي الزمان يؤول بك ما لا يطول إلى حياة آمنة وصديقة الروح ، تنسكب عليك قطرات من السمو والعزة وزخات من القوة والشدة ، ووسام من الله الذي وعد المتـ ـقين بالجـ ـنة ، وحسام أن ترى نورا بعد أن كدت تسقط في حفرة الردى ، ومَنّـاك الشـ ـيطان فخاب أمام إرادة الديـ ـان ، اختفت جميع الأعراض بعد إحدى عشر يوما من تمكن الدواء من الداء ولله الحمد ومن قبل ... 


   تسارعت الأيام بخبالها وأوبالها و صُوِّرَ لي ذلك الشبل أسدا لا يخاف من شر الأعداء ولا من مكر الذئاب وخبث الثعلب وفطنة القنفذ وبطنة أكحل الرأس ، أشرف تدور في باله قصة الأصمعي وصفير البلبل ، و لا يسعني إلا أن أكون ألف ليلة وليلة ....
أكتب لحريتي وأخط بيدي كي لا ينساني من أنسته الدنيا عظمتي ، لا يحق لكم معاتبتي أنا عبد لله وحريتي في عقلي ولساني في قلمي وعيني في نظري ومستقبلي بيد خالقي وعالمي في برزخي ومآلي بيد مالكي ، لا تحسدني واغبطني ، لا تنقدني ولاحظني ، لا تنتقضني وانتقدني ، لا تعفيني لكن حاسبني ، لا تحكمني ولكن حكمني ، لا تقتلني ولكن تقبلني ، لا تقبلني ولكن ضيفني ، ولا تعطيني بل علمني ، لا تمنيني ولكن تخيلني ، لا تظاهرني ولكن احترمني، ولا ثم لا تضيع فرصة الهدف العالمي ، و بر بوالديك لتنال الجنان الغالي ثمنها على المتواني والمتناسي لأصله الترابي، .... قفوا ما عدا كلب سعور ينبح ولا يعض ...

ـــــــــــــــــــــــــ

الصورة: 97.8 كيلوبايت.

 فلت من قبضة السجان / الكاتب : أشرف أعسيني



تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -